المصادر جريدة الصباح
[size=24]ثقافة وفنون: فضاءات المعاني في شعر محمود درويش
بقلم : علاء هاشم مناف :
ان التشابك في عملية الابتكار ، والمجاز في النص الشعري وهو يشكل الاسلوب والعلاقة الدقيقة في المحاور المتداخلة وهي تنشأ في عديد من الافكار الجديدة وتفضي هذه العلاقة وتطورها بتعددية آفاق البنية في النص الشعري .
حيث تنشأ الصورة المزدوجة باحكام المجاز وهو يكسب المنطق الكلامي وضوحا (كما يقول ارسطو) من هذه المنطقية العقلية توسعت مجالات الايحاء وبالصيغ البلاغية عن طريق قوة الخيال وهي براهين تصاغ عبر التشابك في الدلالة والتنامي المستمرين في عمليات متعددة تلتقي في اخر المواقف المتعددة في ذروة لحظة الادراك والحضور معتمدة على منطق الايحاء العقلي في صيغ المجاز الذي اصبح مطلقاً بتفاصيله . ومحمود درويش ينعطف بشكل حاد بهذا الاتجاه في بناء القصيدة :- فهو الموقف الثابت اتجاه الذروة في (الشهادة) من اجل القضية حين يقبل عليه باختياره عندما يقع التحدي وهي عملية تصور المنعطف الدقيق في دلالة ما تضمنته القوة الكبيرة في النص الشعري .
يقول درويش:
لمغنيك ، على الزيتون ، خمسون وتر
ومغنيك اسيراً كان للريح ، وعبداً للمطر
ومغنيك الذي تاب عن النوم تسلى بالسهر
سيسمي غابة الزيتون في عينيك، ميلاد سحر
وسيبكي ، هكذا اعتاد ،
اذا مر نسيم فوق خمسين وتر
آه يا خمسين لحناً دموياً
كيف صارت بركة الدم نجوماً وشجر؟
فالعلاقة التي تتجمع في ذروة التصاعد المنطقية في القصيدة حين تنعطف بلحظات الحضور المتعدد بتعدد المحاور ببعضها وفي انساقها وهي توضح الابعاد الهندسية في قوة البناء والمتانة ، وحين تتحرك الذات في غموض دائم تترك في القصيدة خطابا في صيغة الجمع ليتحول الى خصائص منطقية في صيغة الضمير المنشود موضوعيا في القصيدة، وتتجسد هكذا في الوجوه البلاغية المتعددة لتدعيم حالة المعنى الذي يتحرك بمنعطفات واقتناع شديدين، وهو يستكشف سر الممرات والخفايا في فضاء القصيدة ويتصل بمحاور ومجازات، وهي تبرهن على ما تحقق (من تخييل) والاستعانة بتوكيد المعنى المتحقق بالملاحظة والاستعارة وهي شبيهة بعلاقات (اللزوم في المعرفة اللغوية) وتجسيد ايحائي يثبت حلقات البيان والبديع المتعددة في تقاليد الشعر عند العرب.
فالموقف المتعلق بالكثافة في خواص الصورة الشعرية والمعنى في القراءة، تنطق بتوجيه ادراك حلقات المعالجة بخواص النص الشعري (سيكولوجيا) يجعل التدقيق في نقل خواص المجاز والمعنى في الصورة من خواص المناورة المستهلكة في استعارة عدد من الشبكات الدلالية التي تمتن للتطابق في خواص البناء المتعلق (بالهيكل) والفاعلية الواعية في علية التجربة الشعرية .
من هنا تتبين التنامي في القصيدة وهي تبدأ بشمولية الحقائق النشطة وهي تقترب من لغز الثابت (وبالموت والتسامي في التجربة) في منحنيات القصيدة ليكون المتسع الرئيس في التجربة والمخاض وتثبيت الموقف في القيثارة والدم في نسق يؤطر في تصاعده اجمل الانتماءات في هذا التوتر الدرامي للمكان والرمز في الجرح النازف .
افتحي الابواب يا قريتنا
افتحيها للرياح الاربع
ودعي خمسين جرحاً يتوهج
كفر قاسم ..
قرية تحلم بالقمح ، وازهار البنفسج
وباعراس الحمائم
احصدوهم دفعة واحدة
احصدوهم
.. .. .. ..
.. .. .. حصدوهم ..
ان المشكلة الرئيسية في عملية التشابك الصورة المركزية الثابتة التي يرسمها الشاعر محمود درويش في حدود القوائم من الاعمدة المرهونة بالابواب المغلقة والفضاءات الرمادية وفي تطابق هذه الامكنة ونسج عدة من المصائب التي كانت خاتمة المغامرة للبطل الذي يوجه خطاباته باسترسال ويصور مصائب وعلامات وعلاقات متسعة ومقتصرة في خصائص في عالم مغلق قارب الاقتران بنهايته عمليات التفاعل الانساني بين البشر، ولكن التحدي للموت وبالموت في انساق متعددة وثابتة ، ولحظات تصور عملية الادراك والوعي والمسؤولية داخل (ديالوك) قمته المسؤولية والعمق رغم اكتمال حالة التداعي ، لكن الحياة عميقة في حين كان درويش يرى ان هذه الحوارات تمتن الايقاعات في الاسطورة وفي الجمال الاخاذ وهو يقف على قمة التل :-
يقول درويش:
احور ورقة التوت :-
ومن سوء حظ العواصف ان المطر
يعيدك حية ،
وان ضحيتها لا تموت
وان الايادي القوية
سادفع مهر العواصف
مزيدا من الحب للوردة الثاكلة
وابقى على قمة التل واقف
لافضح سر الزوابع .. للقافلة
ان عملية التنامي وهي تنهض في حدود ابعاد الهيكل للقصيدة وفي ذروة من التصاعد والديمومة بدلالة البيت الشعري والرؤيا المتحققة في النص الشعري حتى تشمل الفضاء المحدد في اول سياق للظهور بفاعلية التحور المستمر في الزمان . وهو الذي حول (ابروميثيوس) الى قوة من الطاقة التي تتحمل الالم وتستوعبه عند المداهمة ، وكان درويش يرى في عملية القتل هو الاصرار عند الموقف الحالم بجمالية غارقة في الحلم الذي يوقظ الشاعر اثناء هطول المطر .
يقول درويش:
احاور روح الضحية
ومن سوء حظ العواصف ان المطر
يعيدك حية
ومن حسن حظك انك انت الضحية
هلا .. ياهلا .. بالمطر
ان اكتشاف المعادلة الموضوعي في شعر درويش يعطينا الدلالة المتفجرة في ايقاع يشهده العمق الفني والايحاء للشاعر العاشق في مجده وجماله لموقف يساوي به بين الحياة والموت .[/size]