اليقين
الإنسان إذا بلغ درجة اليقين انكشف له ما لم ينكشف لغيره ممن لم يصل إلى تلك المرحلة ومع هذا فإن اليقين له مراتب متعددة ، وهنا يوجد ثلاث مراحل أو ثلاث درجات لمشاهدة الحقائق :
1-درجة علم اليقين .
2-حق اليقين
3-عين اليقين .
وهذه الدرجات متفاوتة ويترقى الإنسان من علم اليقين إلى حق اليقين إلى عين اليقين .
ذكر هذا التقسيم في بعض الموارد وأن عين اليقين أعلى من حق اليقين ، وذكر في موضع آخر، وكذلك ذكر ، من أن حق اليقين آخر الأقسام وأعلى من عين اليقين .
فيكون الترتيب هكذا :
1-علم اليقين .
2-عين اليقين .
3-حق اليقين .
القرآن واليقين
أشار القرآن إلى حصول اليقين وتقسيمه الثلاثي ففي سورة التكاثر أشار إلى علم اليقين وعين اليقين : قال تعالى : { كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ }5-8
وفي سورة الواقعة أشار إلى حق اليقين قال تعالى : { وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ } 94-95
وفي سورة الحاقة قال تعالى : { وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ * وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ }50-51
هل يمكن أن يصل الإنسان إلى هذه الدرجات ؟ :
هل يصل الإنسان إلى هذه الدرجات العالية من الكشف والعيان ؟ سؤال يطرح نفسه لا بد له من إجابة .
الجواب : تقدم أن القرآن الكريم تحدث عن اليقين وعن أقسامه الثلاثة كما يظهر منه أنه يمكن أن يصل إليه الإنسان في دار الدنيا وإن احتمل بعض المفسرين أن ذلك راجع إلى يوم القيامة وعالم الآخرة بينما ظاهر كلام جملة من المحققين يشير إلى عالم الدنيا وفي هذه النشأة وإليك بعض كلماتهم :
قيل : اليقين : اعتقاد جازم مطابق ثابت لا يمكن زواله ، وهو في الحقيقة مؤلف من علمين : العلم بالمعلوم ، والعلم بأن خلاف ذلك محال ، وله مراتب :
علم اليقين ، وعين اليقين ، وحق اليقين . والقرآن ناطق بذلك ، قال تعالى : { لو تعلمون علم اليقين . لترون الجحيم . ثم لترونها عين اليقين } ، وقال : { وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ } وهذه المراتب مرتبة في الفضل والكمال . وهي مثل مراتب معرفة النار . فالعلم بالنار مثلا بتوسط النار والدخان هو علم اليقين ، وهو العلم الحاصل لأهل النظر والاستدلال بالبراهين القاطعة . والعلم بمعاينة جرم النار المفيض للنور هو عين اليقين ، وهو العلم الحاصل بالكشف للخلص من المؤمنين الذين اطمأنت قلوبهم بالله وتيقنوا بمعاينة القلوب أن الله نور السماوات والأرض ، كما وصف به نفسه . والعلم بالنار بالوقوع فيها والاحتراق بها ومعرفة كيفيتها التي لا تفصح عنها العبارة هو حق اليقين ، وهو العلم الحاصل بالاتصال المعنوي لأهل الشهود والفناء في الله .
* وعبر بعضهم عن هذه المراتب فقال : للعلم ثلاث مراتب :
أولاها : علم اليقين ، وهي مرتبة البرهان .
وثانيها : عين اليقين ، وهو أن يرى المعلوم عيانا ، فليس الخبر كالعيان .
وثالثها : حق اليقين ، وهو أن يصير العالم والمعلوم واحدا ، ولعله لا يعرف حق هذا المرتبة إلا من وصل إليها ، كما أن طعم العسل لا يعرفه إلا من ذاقه ، ولعزة هذه المرتبة وقلة الواصلين إليها لم يتعرض لبيانها الأكثرون.
وقال بعض العلماء : اليقين وهو الحالة التي تحصل للإنسان عند كمال قوته النظرية كما إن التقوى هي الحالة التي تحصل له عند كمال قوته العملية وبعبارة أخرى هو الاعتقاد الجازم المطابق الثابت الذي لا يمكن زواله وهو في الحقيقة مؤلف من علمين العلم بشيء والعلم بأنه لا يمكن خلاف ذلك العلم . وله مراتب مذكورة في القرآن : علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين ، قال الله تعالى { لو تعلمون علم اليقين . لترون الجحيم . ثم لترونها عين اليقين } وقال : { وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ } وهذه المراتب مترتبة في الفضل والكمال مثلا العلم بالنار بتوسط النور أو الدخان هو علم اليقين والعلم بها بمعاينة جرمها المفيض للنور عين اليقين والعلم بها بالوقوع فيها ومعرفة كيفيتها التي لا تظهر بالتعبير حق اليقين ، وبالجملة علم اليقين يحصل بالبرهان ، وعين اليقين بالكشف ، وحق اليقين بالاتصال المعنوي الذي لا يدرك بالتعبير.
وقيل: اليقين :
الاعتقاد الجازم المطابق للواقع ، وفي عرف الأخبار هو مرتبة من اليقين يصير سببا لظهور آثاره على الجوارح ، ويطلق غالبا على ما يتعلق بأمور الآخرة ، وبالقضاء والقدر كما ستعرف ، وله مراتب أشير إليها في القرآن العزيز وهي علم اليقين ، وعين اليقين ، وحق اليقين ، كما قال تعالى : { لو تعلمون علم اليقين . لترون الجحيم . ثم لترونها عين اليقين } وقال سبحانه : { وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ }.
وقالوا : الأول مرتبة أرباب الاستدلال ، كمن لم ير النار ، واستدل بالدخان عليه ، والثاني مرتبة أصحاب المشاهدة والعيان كمن رأى النار بعينها بعينه ، والثالث مرتبة أرباب اليقين كمن كان في وسط النار واتصف بصفاتها ، وإن لم يصبح عينها كالحديدة المحماة في النار فإنك تظنها نارا وليست بنار ، وهذا هي التي زلت فيها الأقدام ، وضلت العقول والأحلام ، وليس محل تحقيقها هذا المقام .
وقيل في شرح للفقرة المتقدمة من كلام أمير المؤمنين :
( إشارة إلى أنّ العارف و إن كان في الدنيا بجسده فهو في مشاهدته بعين بصيرته لأحوال الجنّة و سعادتها و أحوال النار و شقاوتها كالّذين شاهدوا الجنّة بعين حسّهم و تنعّموا فيها، و كالّذين شاهدوا النار و عذّبوا فيها. و هي مرتبة عين اليقين. فحسب هذه المرتبة كانت شدّة شوقهم إلى الجنّة و شدّة خوفهم من النار )
وكان الأئمة يدعون الله أن يكونوا مشتغلين بطاعة الله في كل أحوالهم ومستغرقين في محبته وأن لا يغفلوا عن خدمته لحظة واحدة فقد قال منهم في بعض أدعيته : « واشغل بطاعتك نفسي »
وعلق على هذه الفقرة بعض العلماء بقوله : سأل عليه السلام أن يجعل سبحانه نفسه مستغرقة في طاعته تعالى ، متوجهة بكليتها عن كل ما يوجب الالتفات عن حضرته المقدسة ، من الاهتمام بعلائق أحوال الدنيا الواردة عليه من خير وشر ليكون هواه وإرادته فيما أراده الله تعالى وقدره وقضاه ، فلا يحب إلا ما أحبه الله ، ولا يسخط إلا ما سخط الله ، وهو مقام الرضا بالقضاء . ووجه كون شغل النفس بالطاعة عن كل وارد عليها علة وسببا للرضا والتسليم : أن النفس إذا كانت مستغرقة في طاعته سبحانه ، معرضة عن الالتفات إلى غيره ، حصل لها الزهد الحقيقي في الدنيا ، فيقرب من الحق فتحصل له مرتبة اليقين بالله وبكماله وحسن فعاله ، واليقين يوجب المحبة فيحصل له الرضا ، لأن الرضا لازم للمحبة وتابع لها .
- إلى أن قال - وبالجملة : السالك إذا اشتغل بما يعنيه وترك مالا يعنيه حقيقة ، وصل إلى مقام المشاهدة الذي هو عين اليقين ، وإذا وصل إلى هذا المقام استولت على قلبه المحبة التامة ، وإذا حصلت له المحبة ثبت في مقام الرضا ، فيرضى بكل ما صدر ويصدر منه تعالى ، كما هو شأن المحب مع محبوبه ، فلا يحب شيئا مما سخطه ، ولا يسخط شيئا مما أحبه ، بل يستقبل أحكامه بالفرح ، ولا يكون لنفسه معها مقترح ، وأهل الرضا يرون من الرضا أن لا يذم شيئا ولا يعيبه ، ولا يتسخط ما أراده وفجر مواده ، ولا يزري على ما أبدعه وخلقه وصنعه ، بل يشاهد الصانع في جميع ما صنعه ، بل لا ينبغي أن يقول العبد : هذا يوم شديد الحر ، ولا هذا يوم شديد البرد ، ولا يقول : الفقر بلاء ومحنة ، ولا العيال هم وتعب ، والاحتراق كد ونصب ، ولا يعقد بقلبه من ذلك مالا يفوه بلسانه ، بل يرضى القلب ويسلم اللسان ، وتطيب الروح وتسكن النفس ، ويستسلم الفعل بوجود حلاوة القضاء والتقدير ، واستحسان محكم التدبير .
ومثل هذه الحالة لم تكن ممكنة فقط بل مارسها ووصل إليها عدد من المؤمنين الذين شملتهم عناية الله سبحانه بهم وفي مختلف الأزمنة .
نسألكم الدعاء